Translate

Friday, March 31, 2017

د. عماد جاد - هل أصبح المصريون شعبين (٢) - جريدة الوطن - 31/3/2017

نجحت جماعة الإخوان وحلفاؤها من تيار الإسلام السياسى فى شطر المجتمع المصرى إلى قسمين، صحيح أنهما غير متساويين، لكنهما قسمان باتا يختلفان فى كل شىء، أصبح لدينا نمط حياة لكل طرف، وجدان مغاير بل شبكة علاقات خارجية مفضلة مختلفة. يريد أنصار الجماعة وحلفاؤهم العيش ضمن نمط حياة لا يناسب مصر ولا يرضى المصريين، يريدون العودة بنا إلى زمن خلط الدين بالسياسة تلك الصيغة التى أدخلت أوروبا عصور الظلام وتسببت فى حروب دام بعضها سبعة عقود كاملة فيما عرف بحرب السبعين عاماً (التى انتهت عام ١٦٤٨) تلك الصيغة التى تسببت فى حروب كثيرة فى بلدان العالم الإسلامى وشهدت الانقسامات الطائفية والتصفيات الجسدية. يرون أن العودة إلى هذه الصيغة سوف يوجد «المدينة الفاضلة». ولا مشكلة فى أن يقوموا بالدعوة لمشروعهم بالحسنى، لكن المشكلة هى أنهم يريدون فرض نمط معيشتهم، حياتهم ووجدانهم على المصريين بالقوة، استعانوا بالأجنحة المسلحة وهددوا بحرق مصر أكثر من مرة، رضخ لهم المجلس العسكرى السابق وسلم عصا السلطة لهم (مرسى) ورحل، كرروا المحاولة فى زمن «مرسى» فجاء رد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالرفض وقرر الفريق أول عبدالفتاح السيسى وقوف الجيش إلى جانب معسكر القوى المدنية الذى يمثل غالبية المصريين. ونجحت الجماعة على مدار ثمانية عقود فى بناء وجدان منفصل لعناصرها، فما يُشعر هذا الوجدان بالسعادة هو ما يُتعس غالبية مصريين، وما يُطرب غالبية المصريين يكون سبباً للنواح لدى الجماعة ورفاقها، تم بناء وجدان عناصر الجماعة بعناصر غير مصرية، تراهم يكرهون مصر، يمقتون الحضارة المصرية القديمة، يتطاولون على أجدادنا الفراعنة ويصفونهم بالكفار ولا يعلمون أن هؤلاء الأجداد كانوا أكثر تحضراً ورقياً وإنسانية من كل معاصريهم، عاشوا قبل الأديان الإبراهيمية، وعرفوا التوحيد فى وقت كانت فيه الأصنام والأوثان تعبد فى جزيرة العرب. ربوا أبناءهم على أن الوطن ما هو إلا «حفنة من التراب العفن» وسردوا لهم أنهم سجدوا شكراً لله على هزيمة يونيو ١٩٦٧ أمام إسرائيل، ولذلك جاء سجود أحفادهم فى منصة رابعة عندما سمعوا أن بواخر حربية أمريكية تقترب من شواطئ الإسكندرية فقد تصوروا أن هذه البوارج فى طريقها لضرب مصر وإخراج «مرسى وجماعته» وإعادتهم إلى السلطة، كان الحزن يضربهم لمجرد فوز الفريق القومى لكرة القدم فى المسابقات الإقليمية والدولية، وكانوا يحتفلون كلما تعثر الفريق أو تعرض لهزيمة فى مباراة كرة قدم.
مصر بالنسبة لهم مجرد مصر من أمصار كثر، حلقة من سلسلة ضمن دولة الخلافة، لا قيمة لديهم لوطن ولا قداسة لأرضه، وقد جسد المرشد العام السابق للجماعة هذه الرؤية بحديثه الذى أهان فيه مصر والمصريين ولم يمانع فى أن يتولى ماليزى حكم مصر. مصر بالنسبة لهم نقطة انطلاق ووثوب إلى غايتهم، لا قيمة لها أكثر من ذلك ومن ثم فقضايا مثل أمن مصر القومى لا مكان لها فى قاموسهم، وكان منطقياً أن تقود هذه الرؤية إلى استعداد لإهداء الأشقاء فى الرؤية قطعة من أرض مصر حسب الحاجة من الجنوب (حلايب وشلاتين للسودان) ومن الشمال الشرقى (قطعة من أرض سيناء للأهل والعشيرة فى غزة).
ومنطقى أن يقود كل ذلك إلى شبكة علاقات إقليمية ودولية مضادة للشبكة التى تقتضيها مصالح مصر العليا، فالأولوية فى العلاقات الخارجية للأهل والعشيرة فى تركيا، باكستان، قطر، السودان، غزة ولا مجال لعلاقات جيدة بدول مثل الإمارات والكويت رغم ما بينها وبين مصر من مصالح. أما شبكة العلاقات الدولية فقد تم رسمها حسب الاستعداد للمساعدة فى مشروع التمكين، فكل دولة مستعدة للمساعدة فى هذا المشروع تمثل حليفاً -مؤقتاً- للجماعة، تعاونوا مع إدارة أوباما، وتولوا حماية أمن إسرائيل إرضاء لواشنطن، وعندما لاح فى الأفق ما يفيد بسقوط الجماعة من السلطة لم يترددوا فى طلب التدخل العسكرى الأمريكى لضرب مصر وجيشها من أجل إعادة مرسى إلى الرئاسة.
ما أقدمت عليه الجماعة بعد الثالث من يوليو من عمليات قتل وسحل وتعذيب وتمثيل بالجثث لضباط شرطة وجيش، وما قامت به من عمليات حرق وتخريب للكنائس والمبانى الحكومية، سلوكيات شيطانية من قبيل سكب الزيوت على الكبارى للتسبب فى حوادث سيارات، تعطيل المواصلات العامة وزرع قنابل موقوتة على قضبان المترو، اختطاف قرية دلجا والتنكيل بمواطنيها من المسيحيين، التخندق فى قرية كرداسة وتحويلها إلى ثكنة مسلحة، كل ذلك يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن جماعة الإخوان ورفاقها من الجماعات المسلحة نجحوا فى إخراج جزء من الشعب خارج الوطن فكرياً وشعورياً، لهم نموذجهم المغاير للنموذج المصرى بل الكاره له، كاره لمؤسساته وهيئاته بل ورموزه (انظروا ماذا فعل طلبتهم مع الدكتور على جمعة مفتى الديار السابق) تلك هى المشكلة الحقيقية التى سنظل نعانى منها وهى وجود شريحة من المصريين تكره الوطن، وجيشه، ومؤسساته ورموزه، بل ترى نفسها فى حالة صراع مع الدولة المصرية، فماذا عسانا نفعل، وهل هناك من سبل لعلاج هذه الحالة المتفاقمة؟

No comments:

Post a Comment