Translate

Friday, February 17, 2017

د. عماد جاد - على من تقع المسئولية؟ - جريدة الوطن - 18/2/2016

يُعد الشعب المصرى أكثر شعوب الأرض حديثاً فى الدين وعنه، وفى نفس الوقت تأتى مصر كثالث أكثر دول العالم فى التحرش الجنسى، وتقبع فى المرتبة الرابعة والعشرين ضمن قائمة أكثر شعوب العالم تعاسة، كيف يمكن تفسير ذلك؟ وهل من فرص لحل هذه المعضلة، لا سيما بعد نجاح المصريين فى الإطاحة بحكم المرشد والجماعة؟
الحقيقة أن الشعب المصرى ورث التدين منذ زمن الفراعنة، فقد كان المصرى القديم متديناً، وكانت مصر القديمة تزاوج ما بين السياسة والدين، وكان الفرعون فى حاجة إلى كاهن المعبد، ومن أرض مصر خرج التوحيد على يد أخناتون، واستقبلت مصر اليهود والعائلة المقدسة وعدداً من الصحابة، ولم تنقطع العلاقة بين الدين والسياسة فى تاريخ مصر القديم ولا الحديث. ورغم إدراك الشعوب الأوروبية قبل غيرها أنه لا صلاح لشئون الحكم فيها إلا بالفصل بين الدين والسياسة، الكنيسة والدولة، فإن بلادنا قاومت هذا الفصل وعملت على توظيف الدين فى خدمة السياسة، وعمل رجال الدين مع الحكام، وكان الشعب يدفع الثمن باستمرار
شهدت مصر بعد دستور ١٩٢٣ وضع أسس نظام ملكى دستورى، نظام برلمانى فيه الملك يملك ويحكم قليلاً، أى له سلطات مقيدة، والسلطة التنفيذية تمارَس من قبَل حكومة منتخبة، وكان النظام المصرى فى ذلك الوقت أكثر تطوراً وتحضراً وديمقراطية من نظم الحكم فى جنوب أوروبا، كان الملك فى حاجة لرجال الدين، ولكن حزب الأغلبية (الوفد) سعى بكل قوة إلى ترسيخ دولة المواطنة التى كانت متطورة بمعايير ذلك الزمان.
جاءت حركة الضباط فى الثالث والعشرين من يوليو ١٩٥٢، وهى الحركة التى أيدها الشعب ومنحها صفة الثورة بعد أن انحازت للغالبية من فقراء المصريين وبسطائهم، لتدخل البلاد فى مرحلة جديدة بنظام جمهورى، وتدريجاً اكتسب جمال عبدالناصر سمات الكاريزما، وكان الشعب مستعداً لإرساء أسس دولة مدنية حديثة ديمقراطية، ولكن عبدالناصر لم يكن يرغب فى ذلك، وبدأ فى ممارسة السلطة بشكل مطلق، وهنا كان قرار توظيف الدين لخدمة السياسة. لم يكن معروفاً عن عبدالناصر الطائفية أو التعصب الدينى، ولكن الرجل كان فى حاجة لورقة الدين فاستخدمها بقوة وكثافة، وكان حريصاً على مبارزة الإخوان فى الدين والتدين، فأحجم عن اتخاذ قرارات لتدعيم المواطنة والمساواة بين المصريين، ساهم فى بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسبة وساهمت الدولة فى عملية البناء دون أن يعلن عن ذلك خوفاً من مزايدات الجماعة، فتكرس تقليد أن الدولة لا تبنى الكنائس ولا تُعد مسئولة عن احتياجاتها ولا نفقاتها. أحجم عبدالناصر عن بناء دولة المواطنة والمساواة، فانتشرت ثقافة التشدد والتعصب فى عهده، لا سيما عقب هزيمة ١٩٦٧، وجاء من بعده السادات ليجد الأرض ممهدة لتديين المجال العام فى البلاد ولتدخل مصر مرحلة الانقسام الدينى وانتشار ثقافة التشدد والتعصب، ومع انتشار الفساد على كافة المستويات بات التدين شكلياً إلى حد كبير، وزادت جرعة الحديث فى الدين وعنه، وانتشرت ثقافة التدين الشكلى. باختصار كان النظام مسئولاً عن انتشار ثقافة التدين الشكلى التى ضربت الثقافة المصرية، ومثلما كان النظام مسئولاً عن ذلك، فهو مسئول أيضاً عن سحب المكونات التدميرية فى الثقافة المصرية، مكونات التدين الشكلى وخلط الدين بالسياسة وتديين المجال العام بطول البلاد وعرضها. السؤال هنا: هل نحن مستعدون لذلك، وهل يمكن تحقيق ذلك فى ظل النظام الحالى؟

No comments:

Post a Comment