Translate

Wednesday, February 8, 2017

د. عماد جاد - تديين المجال الرياضى - جريدة الوطن - 8/2/2017

تهدف المطالبة بفصل الدين عن السياسة وفض الاشتباك بين الدين باعتباره صلة بين الإنسان وخالقه، وبين المجال العام باعتباره شأناً يخضع للجهد والنشاط والتفكير المبدع الخلاق، تهدف المطالبة إلى تحصين الدين باعتباره مطلقاً، غيبياً فى مواجهة شئون الدنيا المتغيرة، التى تعتمد على الجهد والإبداع البشرى ولا تحدها حدود أو قيود. الدين هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل، أى أنه إيمان قلبى وتسليم كامل لإله الكون، أما العمل العام فهو يعتمد على قدرات الإنسان واجتهاداته. الخلط بين المجالين يصيبهما بالضرر الشديد، فالخلط بين الدين والسياسة يوظف الدين فى خدمة السياسة، فرجال السياسة، لا سيما فى المجتمعات غير الديمقراطية يحتاجون إلى رجل الدين الذى يبرر أفعاله وأقواله، يطلب من الشعب الصبر وعدم الغضب أو الاحتجاج، يبلغهم بأن ما يتعرضون له هو امتحان من الله لصبرهم وإيمانهم، ورجال الدين فى تلك البيئات عادة ما يبحثون عن «ذهب المعز» وتوطيد النفوذ وممارسة السلطة.
فى مصر زحف تديين ليطول كافة المجالات والميادين، فقد جرى تديين دستور البلاد عبر المادة الثانية، وفى زمن الإخوان والسلفيين حاولوا إخضاع مؤسسات الدولة لسلطات رجال دين على غرار النموذج الإيرانى، ورغم معالجة الأمر فى دستور ٢٠١٤، فإن تحالف رجال الدين ورجال السلطة أسفر عن قصر حرية العبادة وممارسة الشعائر على الديانات الإبراهيمية الثلاث، فعلى المصرى أن يختار واحداً من الأديان الثلاثة، أما ما عدا ذلك، فغير معترف به وتوضع (-) فى خانة الديانة ببطاقة الرقم القومى لمن لا يكون تابعاً للديانات الإبراهيمية الثلاث. وهنا تعدى من الدولة على ضمير المواطن وحقه فى أن يؤمن بما يعتقد أو يكفر بما تؤمن به غالبية المصريين. أيضاً تدخلت الدولة فى حرية الاعتقاد وممارسة المواطنين للشعائر ودخلت طرفاً فى رعاية ديانة الأغلبية والعمل على نشرها داخل البلاد وخارجها وتخصص ميزانيات سنوية لذلك عبر مؤسسة الأزهر.
وبمرور الوقت، زحف التديين إلى كافة المجالات حتى طال مجالات الرياضة، فكان منطقياً أن نشهد أزمة طفل مينا وغير الأطفال الأقباط مع النادى الأهلى الذى لم يستوعب بعد وجود لاعب قبطى داخل صفوفه، ونشهد محاولات مستميتة من جانب لاعبى مصر لأسلمة لاعبين أفارقة يلعبون فى صفوف الفرق الخاصة بهم، بل تطور هذه المحاولات للوصول إلى محاولة أسلمة المدربين الأجانب، مثل المحاولات التى بذلت مع مدرب النادى الأهلى البرتغالى مانويل جوزيه، والمحاولات الأخيرة التى جرت مع مدرب المنتخب القومى الحالى الأرجنتينى هيكتور كوبر، هذا إضافة إلى ابتداع أسلوب السجود فى الملعب عقب تسجيل الأهداف، ووصف بعض وسائل الإعلام المصرية للفريق بأنه فريق «الساجدين». السؤال هنا ما الهدف والقصد من وراء السجود، هو هو الشكر لله؟ المفترض أن نشكر الله فى كل الأحوال، فى السراء والضراء، والمفترض ألا يكون شكرنا لله شكلياً مظهرياً، النقطة الأهم هنا وإذا كنا نود القول بأن الله معنا، فكيف نفسر الهزائم التى نتعرض لها فى كرة القدم؟ هل تخلى عنا الله؟ أم أنه ليس معنا؟ وكيف نفسر هيمنة دول مسيحية على الفوز بالأولمبياد والبطولات وكأس العالم لكرة القدم؟ هل القصة فى موقف الله من الفرق والجنسيات والأديان أم أن القصة مختلفة تماماً لأن لها علاقة بالعمل والاجتهاد والتدريب واستخدام المقاييس العلمية فى التدريب والاستعداد.
مؤكد أن القصة لها علاقة بالعقل، العلم، التدريب، الاجتهاد وغيرها من الاعتبارات، أما الدين فلا دخل له فى هذه المجالات، فالله العادل لا يكافئ ضعيفاً متكاسلاً مهما كانت خلفياته الدينية والطائفية.
كلمة أخيرة توقفوا عن تديين المجال العام وكافة مجالات الشأن العام ومنها الأنشطة الرياضية وتوقفوا عن مشاهد لفت الأنظار، أنتم لستم دعاة، أنتم لاعبو كرة قدم تحاسبون على الأداء والإنجاز لا على الصلاة والتقوى، فهى قضية تخص علاقتكم الفردية بالله. نتمنى أن يبدأ ذلك كخطوة على طريق وقف تديين المجال العام، فلا صلاح لمصر أو تقدم إلا عبر فصل الدين عن السياسة، ووقف تديين المجال العام فى البلاد.

No comments:

Post a Comment