Translate

Monday, February 13, 2017

د. عماد جاد - التمييز.. آفة نظم ومجتمعات- جريدة الوطن - 14/2/2017

يُعد التمييز بين البشر آفة من الآفات الكفيلة بتفتيت وتدمير أى مجتمع من المجتمعات، بل وحرمانه من مصادر قوة وطاقات كامنة يجرى حجبها بسبب التمييز ضدها من القائمين على شئون الحكم. والتمييز بين البشر ظاهرة قديمة وُجدت فى مختلف المجتمعات الإنسانية، ولم يسلم مجتمع واحد منها مهما ادعى غير ذلك، والتمييز بين البشر يأتى من عوامل مختلفة منها ما هو أوّلى، أى يولد به الإنسان مثل الجنس، الدين، العرق، اللغة، والطائفة، ومنها ما هو ثانوى يكتسبه الإنسان من مسيرته فى الحياة مثل الوظيفة والطبقة الاجتماعية. ومعروف أن التمييز وفق عناصر الانقسام الأوّلى من جنس، دين، لغة، عرق، وطائفة، هو الأكثر شيوعاً وخطورة والأكثر استعصاء على العلاج. أما التمييز وفق عناصر الانقسام الثانوى مثل الوظيفة والطبقة الاجتماعية، فهو أمر يكمن فى الطبيعة البشرية، ويمكن ضبطه وعلاجه عبر القانون أولاً، ثم الثقافة ثانياً. المشكلة ليست فى الانقسام فى حد ذاته، بل فيما يمكن أن يترتب على هذا الانقسام من تمييز وتفرقة بين البشر، وهو ما يفرز سياسات التمييز والعنصرية والتعصب. الانقسام فى حد ذاته، سواء وفق عناصر أوّلية أو ثانوية، لا يمثل مشكلة، بل قد يتحول إلى مركز إغناء وإثراء للمجتمعات، المشكلة عندما تتبع سياسات تمييز بين البشر لاعتبارات غير موضوعية، وعادة ما يأتى ذلك من القائمين على شئون السلطة، قد يشكلون الأغلبية، ومن ثم ينحازون إلى ذويهم وفق عناصر الانقسام الأوّلى تحت ذريعة الأغلبية والأقلية، وقد يشكلون الأقلية، ومن ثم يمارسون التمييز ضد الأغلبية تحت ذريعة السمو والعلو والتفوق، مثلما كان الحال فى نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا.
ما نود التأكيد عليه هنا أن التمييز والعنصرية والتطرف ظواهر إنسانية موجودة فى كافة المجتمعات، فالتطرف لرأى أو فكر أو معتقد أو عرق آفة شهدتها مختلف المجتمعات الإنسانية، وأدت فى أحيان كثيرة إلى وقوع الحروب والمواجهات وأعمال القتل الجماعى والإبادة، بل وكانت وراء إشعال حروب كونية.
وكلما زاد عدد معتنقى الأفكار المتطرفة والعنصرية ارتفع مؤشر الخطر وارتفعت معدلات جرائم الكراهية والعنصرية، وتزداد الخطورة إذا ما ترافق مع انتشار هذه الأفكار أزمة اقتصادية أو اجتماعية، أو كانت الأزمة مركبة، فى هذه الحالة يجرى البحث عن المختلف والانتقام منه. وعندما تتسع قاعدة التشدد والتطرف والعنصرية، عادة ما تسفر عن نظام حكم يعبر عن هذه الأفكار ويعمل على تعبئتها وتنظيمها، وهو ما فعله أدولف هتلر الذى استثمر واقع هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى والإذلال الذى عانت منه برلين بفعل معاهدة فرساى التى فرضت عليها دفع تعويضات هائلة للدول المنتصرة وفى مقدمتها فرنسا، فى ظل هذه الحالة والحديث عن الجنس الآرى ونقائه، بدأ هتلر الحرب العالمية الثانية التى أخذت معها حياة نحو خمسين مليون إنسان، وانتهت باحتلال ألمانيا وحالة من الدمار الشديد فى كل أنحاء أوروبا.
والتمييز وفق عناصر الانقسام الأوّلى يختلف عن الاشتراطات الخاصة ببعض المناصب والمواقع فى مؤسسات الحكم، فالمفترض انفتاح مجالات الترقى والصعود الاقتصادى والاجتماعى أمام جميع المواطنين بصرف النظر عن عوامل الانقسام الأوّلى من لغة، عرق، دين، طائفة، وجنس (ذكر - أنثى) وأيضاً الثانوى مثل المهنة والطبقة الاجتماعية، وهو أمر يختلف عن وضع اشتراطات خاصة ومواصفات معينة لمواقع محددة فى مؤسسات الدولة مثل القضاء والأجهزة الأمنية، وهى اشتراطات ينبغى أن تتسم بالعمومية والموضوعية. وفى تقديرى أن القضية لا تحتاج إلى جدل وسجال سوفسطائى «عقيم» بقدر ما تحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالواقع القائم فى بلادنا والذى يقول بأن التمييز يمارَس فى مجتمعنا المصرى على أساس عوامل الانقسام الأوّلى وتحديداً الدين والطائفة والجنس، والانقسام الثانوى ضد الفقراء والبسطاء وذوى الخلفية الاجتماعية البسيطة.
نصت المادة الثالثة والخمسين من دستور البلاد الحالى على أن «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر».
إذا كنا جادين بالفعل فى التصدى لآفة التمييز فى مجتمعنا فلا بد من امتلاك شجاعة الاعتراف بواقع التمييز الممارس فى بلادنا والتحرك فوراً لتأسيس مفوضية التمييز، التى نص عليها دستور البلاد وباتت مطلباً ملحاً، حتى تتولى التحقيق فى كل وقائع التمييز وتنصف الإنسان المصرى كمواطن له كل الحقوق وعليه كافة الواجبات ومحاسبة كل من يمارس التمييز، وتنقية مناهج التعليم وبرامج الإعلام من مواد تمييزية ولغة تحض على التمييز، مع إصدار قانون لمكافحة التمييز وتوافر إرادة التطبيق على نحو مبدئى.

No comments:

Post a Comment