Translate

Saturday, February 25, 2017

د. عماد جاد - مصر وقضية الوقت - جريدة الوطن - 25/2/2016

فى الصراع مع إسرائيل كانت مصر تدرك قيمة الوقت فى التعامل مع الدولة العبرية، وفى أعقاب حرب يونيو ١٩٦٧ أدركت مصر مبكراً أن قضية الصراع مع إسرائيل ليست بالقضية التى تحسم فى جولة أو جولات، وأن إسرائيل دولة قوية متماسكة وأنها وجدت لتبقى، فبعد شعارات القضاء على إسرائيل وأن مآلها الزوال مثل ممالك الفرنجة التى أقيمت قى ذات المنطقة، بدأت القيادة المصرية وفى عهد «عبدالناصر» تدرك الحقائق وتتعامل معها، فقد جرى الترويج لشعار جديد هو إزالة آثار العدوان، بمعنى العودة للأوضاع التى كانت قائمة قبل العدوان، أى حدود ما قبل الخامس من يونيو ١٩٦٧. وفى هذا السياق تعامل «عبدالناصر» بواقعية شديدة مع قضية الصراع فقد أدرك أن الهزيمة جاءت لأننا لم نكن نعرف إسرائيل وقدراتها جيداً، لذلك تم إنشاء مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية داخل مؤسسة الأهرام عام ١٩٦٨ من أجل دراسة إسرائيل دراسة علمية وفهم قدرات هذه الدولة ونقاط الضعف فيها (وهو مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية حالياً) كما تجاوب «عبدالناصر» مبكراً مع جهود التسوية السياسية للصراع مع إسرائيل فقبل مبادرة روجرز عام ١٩٦٩.
وجاء الرئيس «السادات» عام ١٩٧٠ وكان يدرك حقائق الصراع جيداً، كان يعلم استحالة القضاء على إسرائيل أو تحرير كامل الأرض التى احتلت فى عدوان يونيو ١٩٦٧ بالسلاح، لذلك خطط من البداية لحرب محدودة مفاجئة سريعة تكسر الغطرسة الإسرائيلية وتنهى أسطورة الجيش الذى لا يقهر ثم يدخل فى مفاوضات للتسوية السياسية، أى إنه خطط من البداية لكسر جمود الموقف وكسر الغطرسة الإسرائيلية التى عبر عنها وزير الدفاع الإسرائيلى فى ذلك الوقت موشيه دايان الذى قال «شرم الشيخ بدون سلام مع مصر، أهم من سلام مع مصر بدون شرم الشيخ». كان «السادات» حريصاً على عدم إطالة وقت الاحتلال حتى لا تلتهم الأرض عبر نشر المستعمرات اليهودية وتهويد الأرض، ومن ثم عمل على استغلال حرب أكتوبر سريعاً فكانت مبادرة السلام عام ١٩٧٧ ثم كامب ديفيد فى العام التالى وبعد ذلك بعام تم توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى مارس ١٩٧٩. وكانت تعليمات «السادات» للمفاوض المصرى أن لا تجعل أى سبب يعطل التوصل إلى الاتفاق من أجل استرداد باقى شبه جزيرة سيناء.
رفضت المعارضة اليمينية المتطرفة فى ذلك الوقت المعاهدة، وقامت جيئولا كوهين، زعيمة «هتحيا»، بتمزيق المعاهدة أثناء مناقشتها فى الكنيست الإسرائيلى وروج اليمين لمقولة أن «السادات» يريد أخذ سيناء مقابل مجموعة أوراق تسمى معاهدة سلام، وبعد التوقيع على معاهدة السلام اعتزل رئيس الوزراء الإسرائيلى فى ذلك الوقت مناحم بيجين الحياة السياسية، وأصيب باكتئاب شديد بعد بدء الانسحاب من سيناء وذهب بعيداً عن المدن إلى أن مات.
كانت إسرائيل قد أقامت مستعمرة واحدة فى سيناء هى مستعمرة «ياميت» وقد قاوم سكانها عملية الإخلاء بشراسة فقاد وزير الدفاع الإسرائيلى فى ذلك الوقت آرييل شارون بنفسه جرافة قادت عملية هدم المستعمرة، وقد ماطلت إسرائيل فى الانسحاب من طابا (نحو كيلومتر مربع) فاتفقت معها مصر على الذهاب إلى التحكيم الدولى ونجح فريق مصرى من رجال القانون والتاريخ فى إثبات مصرية الأرض فكان حكم المحكمة بأن طابا مصرية، وهكذا استردت مصر سيناء التى تبلغ مساحتها مرة ونصف مساحة فلسطين التاريخية، وبها أماكن أكثر قداسة لدى اليهود من أجزاء كثيرة بالضفة الغربية.

No comments:

Post a Comment