Translate

Monday, February 27, 2017

د. عماد جاد - مركز للإنذار المبكر - جريدة الوطن - 28/2/2016

على عكس الكوارث الطبيعية التى يصعب بصفة عامة توقعها أو التنبؤ بتوقيتها، فإن الكوارث البشرية قابلة للمتابعة والرصد وعبر التحليل والتشريح يمكن توقع مدى خطورتها ومخاطر انفجارها. وعادة تعانى الدول المتنوعة ومتعددة الأديان والعرقيات، من مخاطر انفجار المشكلات التى قد تصل إلى الصراعات وربما الحروب الأهلية، طبعاً القضية تخص الدول التى لم تستقر فيها بعد المؤسسات الديمقراطية، والتى لم تنتشر بها بعد القيم الإنسانية من حرية، وعدل، ومساواة، وقبول التنوع والتعدد والاختلاف، أما فى الدول الديمقراطية المستقرة فالمؤسسات كفيلة بالتعامل مع المشكلات التى تظهر من حين إلى آخر على خلفيات دينية أو طائفية أو عرقية، فدولة مثل الولايات المتحدة لا تزال تشهد من حين إلى آخر بعض الصدامات على خلفية عرقية وأحياناً دينية، لكن درجة المؤسسية الموجودة فى البلاد سرعان ما تحتوى الموقف وتعالجه على أسس موضوعية إلى حد كبير.
فى الدول التى لم تستقر فيها الديمقراطية كقيمة وثقافة وباقى القيم الإنسانية الراقية، مطلوب تقوية مناعة المجتمع عبر نشر هذه القيم من خلال أدوات التنشئة المختلفة، وفى الطريق إلى تحقيق الديمقراطية ونشر القيم الإنسانية يبدو مهماً للغاية محاصرة المشكلات والخلافات فى مهدها، والتصدى لما هو متوقع من نزاعات أياً كان مصدرها، وعادة ما تلجأ الدول التى ترغب فى تحسين الأداء الحكومى والحفاظ على التماسك المجتمعى إلى إنشاء مراكز للإنذار المبكر تنتشر فروعها فى أنحاء البلاد مهمتها الوحيدة متابعة التفاعلات والعلاقات والأحداث وإعداد التقارير العاجلة لصانع القرار والحكومة بشأن المشكلات الكامنة والمتوقع انفجارها حتى تتحرّك الحكومة والجهات الرسمية بسرعة فائقة وتتعامل مع المشكلات قبل انفجارها. وإذا أردنا أن نُطبّق ذلك على الأزمة الأخيرة فى مدينة العريش، نقول إن التنظيم الإرهابى المنتشر فى شمال سيناء تعرّض لضربات موجعة من قواتنا المسلحة والشرطة المدنية التى دخلت للمرة الأولى المعقل الرئيسى للتنظيم، ممثلاً فى جبل الحلال، وأن عناصر التنظيم الفارة سوف تلجأ إلى تنفيذ ضربات انتقامية للرد على ذلك ولإثبات أنها لا تزال موجودة، وأن التنظيم اختار استهداف المواطنين المصريين الأقباط فى العريش كهدف سهل ومؤلم أيضاً وبدأ فى قتل الأقباط، ثم أصدر بياناً مصوراً يتعهد فيه بذلك. لو كان لدينا فرع لمركز إنذار مبكر فى شمال سيناء كان سيرسل رسالة واضحة وعاجلة إلى الحكومة المصرية تقول إن التنظيم سيواصل عمليات استهداف الأقباط بطرق بشعة، وإنه لم يوقف هذه العمليات، ومن ثم على الحكومة التحرك بسرعة من أجل معالجة الموقف، لا سيما أن التنظيم بدأ فى اتباع أساليب بشعة فى عمليات الاستهداف ما بين قتل بالرصاص ونحر وحرق، وأن هذه العمليات مقصود منها بث رعب فى نفوس المواطنين المصريين الأقباط ودفعهم للرحيل من شمال سيناء بطرق عشوائية غير منظمة، فيبدو الإرهاب فى صورة الناجح، فى حين أنه يتعرّض لضربات شديدة، وبات محاصراً فى بقعة محدودة. آن الأوان لتأسيس مراكز للإنذار المبكر من أجل تقديم تقارير عاجلة عن مناطق الالتهاب والخطر المتوقع وإرسال إشارات تحذيرية تتلقفها خلايا إدارة الأزمات وتتعامل معها فوراً.
وللحديث بقية

No comments:

Post a Comment