Translate

Wednesday, February 1, 2017

د. عماد جاد - عن «٢٥ يناير» ومزاياها (٢) - جريدة الوطن - 1/2/2017

من بين أبرز الانتقادات التى توجه لثورة الخامس والعشرين من يناير، النتائج التى ترتبت عليها مباشرة، من فقدان الأمن وانتشار الفوضى، ثم الأزمة الاقتصادية الشديدة التى لم تخرج منها البلاد بعد. وفى تقديرى أن الأوضاع قبل ٢٥ يناير كانت فى سبيلها للانفجار إن عاجلاً أو آجلاً، وكان الانفجار وارداً حتى من داخل النظام نفسه، فقد كانت دوائر مهمة للغاية فى النظام المصرى قبل ٢٥ يناير ترفض بشكل جذرى توريث الرئاسة لجمال مبارك، وكانت هناك توقعات بأن مبارك سوف يعلن فى مايو ٢٠١١ (فى عيد ميلاده) أنه لن يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة وأن على المصريين اختيار مرشح جديد لهم، وكانت الترتيبات معدة بالكامل كى يجرى اختيار جمال مبارك مرشحاً من قبَل الحزب الوطنى لانتخابات الرئاسة التى كانت ستجرى فى أكتوبر ٢٠١١. كانت تقديرات تشير أيضاً إلى انفجار الاحتجاجات فى البلاد، الأمر الذى قد يتطلب تدخل قوات الجيش لضبط الأوضاع فى البلاد وحفظ الأمن، وهو أمر كان ينطوى على مخاطر الصدام مع وزارة الداخلية التى أعدت العدة لتمرير سيناريو التوريث وقمع الاحتجاجات المتوقعة وردع مؤسسات الدولة الأخرى عن التدخل بعد تفاهم جمال مبارك مع وزير الداخلية حبيب العادلى على ذلك.
إذناً الأوضاع فى مصر قبل ٢٥ يناير كانت مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها الصدام بين مؤسسات الدولة بسبب مشروع التوريث، وجميعنا يعلم أن المشروع كان جاداً، وكانت هناك مؤسسات وأجهزة تعمل على تمريره، وأن بعض القوى السياسية لم يكن لديها مشكلة فى ترشح جمال مبارك مع تحديد مدد الرئاسة بمدتين أو فترتين، وهو ما رفضه الوريث ورجال الحزب الوطنى وجرى تفصيل تعديلات على المادتين ٧٦ و٧٧ بحيث يستمر فى السلطة إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً.
فى نفس الوقت كانت الأوضاع الاقتصادية هشة للغاية، فمبارك كان يشترى استقرار نظامه عبر الديون الخارجية وعبر سياسة «الحصول على المعونات» من الخليج، ونتذكر أن مصر كانت على وشك الإفلاس وإعلان العجز عن القدرة على سداد أقساط الديون فى مطلع تسعينات القرن الماضى ونجت من هذا الكابوس بسبب الغزو العراقى للكويت فى أغسطس ١٩٩٠ وما ترتب على اشتراك مصر فى معركة تحرير الكويت من أقساط قرابة نصف ديون مصر وحصولها على مساعدات كبيرة من دول الخليج العربية. وما إن مرت تلك الفترة حتى عادت الديون لتتراكم من جديد، فالرئيس الذى يريد توريث نجله السلطة حافظ على سعر صرف الجنيه المصرى عبر تحمل أعباء هائلة، وكان يخشى تحرير العملة حتى لا ترتفع الأسعار، ومن ثم يخرج الشعب ضده، وهو نفس السبب الذى دفع مبارك للحفاظ على سياسة الدعم العينى للسلع والخدمات وفى مقدمتها الوقود، الأمر الذى أدى إلى تصاعد تراكم الديون. مصيبة مبارك أنه كان يشترى الاستقرار الوقتى ولم يكن يفكر كثيراً فى مآل سياسة الاستدانة أو سياسة الدعم العينى، ولم يكن يفكر حتى فى أن هذه القضية يمكن أن تنفجر فى وجه الوريث بعد أن يتسلم السلطة وفق المخطط المعد لذلك.
إذن الأوضاع قبل ٢٥ يناير لم تكن على ما يرم، الاستقرار كان شكلياً، الأمن توغل وتوحش، الديون تتراكم والانفجار كان مسألة وقت، كما أن مسألة الصدام بين مؤسسات الدولة كانت واردة بقوة.
وللحديث بقية

No comments:

Post a Comment