Translate

Friday, February 3, 2017

خالد منتصر - جريجورى سامسا مواطن من الجيزة - جريدة الوطن - 4/2/2017

تذكرت الروائى التشيكى الشهير كافكا وبداية قصته المرعبة «المسخ» أو التحول وأنا أشاهد أبناء الجيزة يبحثون عن زجاجة مياه معدنية لكى يضعوها فى السيفون لتنظيف فضلاتهم المتراكمة فى التواليت!! تذكرت بطل القصة جريجورى سامسا وهو يستيقظ من نومه بعد أحلام مزعجة ليجد نفسه على فراشه وقد تحول إلى حشرة ضخمة!! نعم تحول المواطن الجيزاوى إلى حشرة! مجرد صرصار مقلوب على ظهره يرفس برجليه طلباً لجرعة ماء، ضاعف تجار الجيزة ثمن صندوق المياه المعدنية إلى ثلاثة أضعاف إمعاناً فى غرس إحساس المهانة وتجسيد المسخ الحشرى لهذا المواطن، محافظة تستيقظ على انقطاع مياه وعد المسئولون سكانها بأنه لن يزيد على ساعات، امتد الأمر إلى ثلاثة أيام حتى كتابة هذه السطور ظهر الجمعة وما زالت المياه مقطوعة عن معظم المناطق، ما حدث فى الجيزة صورة مصغرة لمصر، للعشوائية التى طالت الجميع لا أستثنى منهم أحداً، جميعنا نمشى بمبدأ إلا خمسة وبقانون «الطلسأة»، بداية من تشكيل الحكومة وتمرير القوانين حتى تركيب جلدة الحنفية وتغيير الكاوتش، «الطلسأة» وعدم التخطيط والاتكالية والمشى بالبركة وعدم احترام خطوات التفكير العلمى، عبارة نفذ وبعدين اتظلم صارت نفذ المشروع وبعدين دور على حل المشاكل اللى حتقابلها، احفر وبعدين ربنا يسهلها لو قابلتك شبكة مجارى أو انفجرت فى وجهك ماسورة، ربك بيستر، اتكل انت على الله ومش حيحصل حاجة، هل شركة المقاولات الكبرى لم تكن تعرف قبل حفر مترو الأنفاق كيف ستتصرف فى مواسير المياه وتحويل خطوطها؟! إنها نفس المفاجأة التى تتلبس صناع الفوازير والدراما قبل رمضان، يلهثون ويسابقون الزمن وكأن رمضان شهر سرى يطب على السنة بالبراشوت من السماء، متابعة أخبار إصلاح الخطأ الفنى الذى لم نعرفه والذى تسبب فى قطع المياه عن محافظة تضم أكثر من ثلاثة ملايين شخص، هذه المتابعة دخلت فى منطقة البلاك كوميدى بل وصلت إلى قمة مسرح العبث، تارة يقولون الماسورة بتسرب والجوان مش قافل كويس، وتارة أخرى يقال نبحث فى السبتية عن قطع غيار، كان ينقص مسئولى الجيزة أن يخرجوا علينا ببيان أو حوار مع ريهام سعيد يشرحون فيه كيف منعتهم العفاريت من إصلاح الماسورة وكيف وجد المحافظ دليل الجريمة وهو العمل المدفون على «أتر» مأخوذ من ديل جلابية رئيس الحى، وطبعاً سيخرج علينا أحد الخوابير الاستراتيجية لشرح العلاقة بين أتر الجلابية وقطر الدولة، وكيف أنها مؤامرة من الشيخة موزة حتى لا يستحم المصريون وتفوح رائحتهم فيشمها ترامب ويقطع علاقته مع السيسى، المواطن جريجورى سامسا الجيزاوى الكافكاوى لا بد أن يشعر فعلاً بأنه حشرة وأن قصة المسخ تحولت إلى واقع مسخرة، حيث تحول التشطيف إلى أمنية مستحيلة وصار صوت السيفون والشطاف والدش أجمل وأروع من سوناتا بيتهوفن وكونشيرتو موتسارت وأغانى العندليب، لا بد أن يحس بإحساس كافكا الذى لا يمكن لخياله الجبار أن يكتب أن مواطناً من الجيزة عندما لم يجد مياهاً معدنية اشترى بيبسى حجم عائلى ودلقها فى الكنيف حتى يستطيع الحفاظ على أنفه وممارسة حياته فى شقته.
بينوكيو كان أسطورة طفولية، أنفه يطول كلما كذب ولكننا ابتلينا فى هذا الزمان بمليون بينوكيو يكذبون كل دقيقة ولكننا تعودنا وتآلفنا مع أنوفهم العملاقة.

No comments:

Post a Comment