Translate

Sunday, February 5, 2017

د. عماد جاد - الشفافية.. المسئولية.. المحاسبة - جريدة الوطن - 5/2/2017

من بين أبرز قواعد وأسس النظام الديمقراطى وجود شفافية كاملة فى كل ما له علاقة بالشأن العام، إضافة إلى المسئولية والمحاسبة، وفى هذا السياق تعد الشفافية من مرتكزات النظام الديمقراطى، وتبدأ هذه الشفافية بالإعلان عن كل المعلومات والإحصاءات الخاصة بالنشاط العام، إتاحة هذه المعلومات لوسائل الإعلام والرأى العام دون مواربة أو فبركة وتغيير فى الأرقام والوقائع، وتعد الشفافية قيمة ومبدأ فى ذات الوقت، يجرى النص عليها فى الدستور وتصبح قيماً مسلماً بها فى المجتمع، ومن ثم تسود كافة المعاملات والتعاملات، وفى المجتمع الديمقراطى تغدو الشفافية قيمة عامة مشتركة، ومن ثم تتيح الحكومة والمؤسسات والأجهزة كافة المعلومات للمواطن للاطلاع عليها، وفيما عدا تلك المساحة التى تدخل فى جوهر وصميم الأمن القومى، لا توجد معلومات سرية تحجب عمداً عن الرأى العام، والمعلومات الخاصة بالأمن القومى هى تلك التى تخصه مباشرة، لا تزيد ولا حجب لمعلومات تحت حجة الأمن القومى، فقضايا الأمن القومى هى التى تخصه مباشرة، فالملاحظ أن الدول غير الديمقراطية، وتحت ذريعة حماية الأمن القومى تقوم بحجب معلومات ينبغى أن تكون متاحة للرأى العام، وكلما استخدم مصطلح أو مبرر الأمن القومى فى حجب معلومات أو إحصاءات لا علاقة مباشرة لها بقضايا الأمن القومى، دل ذلك على عدم ديمقراطية نظام الحكم، وأشّر ذلك على غياب الشفافية من قبل الحكومة ومؤسسات الدولة، وكلما اتسع استخدام مبرر الأمن القومى فى حجب معلومات وإحصاءات، دل ذلك على غياب الديمقراطية فى النظام، فالملاحظ أن نظم الحكم غير الديمقراطية، التى تتسع لديها الرغبة فى حجب المزيد من المعلومات عن الرأى العام، تتوسع فى استخدام مبرر أو حجة الأمن القومى، بحيث يجرى حجب معلومات عادية ضمن الحديث عن حماية الأمن القومى، وقد يجرى التوسع فى ذلك إلى منع الشعب من القراءة والمتابعة والمعرفة، فكثير من المعلومات والحقائق عن إسرائيل والصراع العربى الإسرائيلى جرى حجبها، ومنها من تداول وقصر التداول على دوائر محدة للغاية تحت شعار «سرى للغاية، أو ممنوع من التداول» وكانت النتيجة المباشرة جهلاً عاماً بهذه القضايا على النحو الذى أوقعنا فى هزائم متتالية أمام القوات الإسرائيلية، ولم يكن غريباً أن ينشأ مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى الأهرام عام ١٩٦٨ على يد الراحل محمد حسنين هيكل تحت اسم مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بهدف تقديم المعرفة عن إسرائيل دولة ومجتمعاً.
وعلى الرغم من التغيرات التى شهدتها مصر على مدار السنوات الست الماضية، والتغيير الذى طال مؤسسات الدولة ودوائر الحكم، فإن الشفافية لا تزال مجروحة حتى لا نقول غائبة، فلا تزال مؤسسات الدولة المصرية تتعامل مع معلومات عادية للغاية على أنها سر مطلوب إخفاؤه من أجل أمن مصر القومى، فكم هى طويلة قائمة الموضوعات والمعلومات التى يجرى حجبها عن الرأى العام المصرى تحت ذريعة حماية الأمن القومى المصرى، ولا تزال القائمة طويلة للغاية، ولا يزال بعض المسئولين يواصلون سياسة حجب المعلومات العادية التى من حق الرأى العام أن يعرفها ويكون على دراية بها، بل وتشكل إحدى أبرز أدوات محاسبة المسئولين، الأمر الذى يكشف عن خلل حقيقى فى هذا المجال، ومن ثم بات مهماً للغاية إدراك الحكومة والمسئولين فى سلطات البلاد المختلفة قيمة الشفافية، التى تمثل أساساً للمسئولية والمحاسبة.

No comments:

Post a Comment