Translate

Monday, February 27, 2017

د. عماد جاد - غياب الإدارة السياسية (٢) - جريدة الوطن - 27/2/2016

سقطت الحكومة المصرية فى اختبار إدارة أزمة النازحين المصريين من مدينة العريش، فللأزمة مقدمات ظاهرة تمثلت فى بدء عمليات القتل على الهوية الدينية للمواطنين المصريين المسيحيين، وبيان لعناصر تنظيم «أنصار بيت المقدس» يعلن فيه استهداف المسيحيين المصريين، كل ذلك وسط بيئة فاقدة للأمن ومناطق أشبه بتلك التى تدور على أراضيها معارك طاحنة وتشهد عمليات كر وفر بين عناصر التنظيم الإرهابى وقوات الجيش والشرطة. حكايات الفارين من جحيم العريش مرعبة ومفزعة، فالأمن يكاد يكون غائباً بالكامل وبالكاد يحمى رجال الأمن أنفسهم لكنهم غير قادرين على توفير الأمن للمواطنين المصريين لاسيما الوافدين على المنطقة من مختلف محافظات ومدن الجمهورية. جرى ويجرى كل ذلك تحت سمع وبصر الحكومة المصرية دون أن تبادر بتشكيل خلية لإدارة الأزمة ومتابعتها من أجل التعامل معها أولاً بأول. كنا نتمنى أن تبادر الحكومة المصرية عندما تدرك الأخطار المحيطة بالمواطنين المصريين بصفة عامة، والأقباط بصفة خاصة، أن تبادر بتنظيم عملية المغادرة بشكل منظم ومنضبط وأن يجرى تصوير عملية الترحيل باعتبارها جزءاً من الاستعداد لخوض المعركة الفاصلة مع عناصر التنظيم الإرهابى لاسيما بعد اقتحام عناصر الجيش والشرطة للمعقل الرئيسى للتنظيم فى جبل الحلال، كان يمكن تنظيم عملية الخروج الجماعى لتبدو أنها عملية منظمة ومرتبة لا علاقة لها بتهديدات التنظيم بقدر ما تتعلق بالاستعداد لخوض المعركة الفاصلة، وأن تتم عملية النقل أو الترحيل لتبدو أنها عملية مصرية بالكامل لا أبعاد دينية ولا طائفية فيها. وكان يمكن من البداية نقل سكان مناطق بالكامل أو أحياء معينة للحفاظ عليهم من العمليات المتوقعة فى تلك المنطقة وأن عودتهم ستكون مرتبطة بقضاء الجيش والشرطة على عناصر التنظيم الإرهابى. ما حدث هو أن الحكومة المصرية لم تتعامل بجدية مع التهديدات التى أطلقها التنظيم بحق المواطنين المصريين الأقباط، ولم تحرك ساكناً عندما بدأ التنظيم ينفذ عمليات قتل وحرق المواطنين، ولم تتخذ أى استعدادات لمواجهة احتمال خروج غير منظم للمواطنين الأقباط من العريش بكل ما سوف يترتب على ذلك من عمليات استقبال وتسكين وإعاشة ومعالجة المشاكل المترتبة على النزوح الجماعى المفاجئ للموظفين والعمال وطلبة المدارس والجامعات.
أدى عدم التعامل المبكر من قبل الحكومة إلى خروج المشهد فى شكل هجرة أو تهجير جماعى للأقباط، وبدا واضحاً أن التنظيم الإرهابى قد نجح فى قلب المشهد لصالحه فى وقت كانت العمليات على الأرض تؤشر إلى تلقى التنظيم سلسلة من الهزائم، فقد نجح التنظيم؛ بفضل فشل الحكومة فى إدارة المشهد مبكراً، فى إظهار سيطرته على مدينة العريش وقدرته على فرض إرادته على المدينة وبدا وكأنه الحاكم الفعلى للمدينة.
لم تتعلم الحكومات المصرية المتعاقبة من الفشل المتكرر فى إدارة الأزمات التى مرت بها البلاد على مدار العقود الماضية، فكانت حركتها فى التعامل مع أزمة النزوح من العريش ثقيلة وكانت خطواتها بطيئة ومتأخرة، ومن ثم كانت النتيجة خسائر على المستويات كافة. صحيح تعاملت الحكومة مع الأزمة متأخرة، ولكن أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً، المهم أن نستلهم الدروس ونستخلص العبر حتى يتغير تعاملنا مع الأزمات التى باتت جزءاً من حياتنا نتيجة ميراث طويل وثقيل ذهب بغالبية الشعب المصرى بعيداً عن الهوية الوطنية المصرية الأصيلة، ولكم فى مشاهد جنازة عمر عبدالرحمن خير شاهد ودليل على ما أصاب مصر والمصريين نتيجة الخلط بين الدين والسياسة وتوظيف الساسة للدين فى خدمة أغراضهم السياسية.

No comments:

Post a Comment