Translate

Friday, February 10, 2017

د. عماد جاد - الرؤية غائبة.. والبوصلة تائهة (٢) - جريدة الوطن - 11/2/2017

«إحنا رايحين على فين؟»، «البلد رايحة على فين؟»، «تفتكر فيه أمل إن الأوضاع فى البلد تتحسن؟».. عيّنة من الأسئلة التى نتعرض لها عشرات المرات فى اليوم الواحد من المواطنين العاديين ومن مختلف شرائح وطبقات المجتمع المصرى. يسألك الطبيب والمهندس، وأيضاً العامل والساعى، الجميع مأخوذ، ويده على قلبه، والخوف من «بكرة» عامل مشترك بين الجميع. الغالبية العظمى تحملت ومستعدة للتحمل وتبحث فقط عن اطمئنان أن الأوضاع سوف تتحسن، يريدون رؤية نور فى نهاية النفق حتى تطمئن القلوب إلى أن العمل فى البلد ينطلق من رؤية وأن للسفينة بوصلة تشير إلى شط الأمان والاستقرار.
هناك خطوات جيدة فى مجالات مختلفة، هناك معارك لكشف الفساد ومحاربته، ولكنها لا تنطلق من اعتناق مبدأ الشفافية، ومن ثم تكون هناك خطة شاملة لمحاربة الفساد على مختلف المستويات. القضية ليست مجرد إلقاء القبض على الفاسدين فى مصر، وما أكثرهم، القضية هى اعتماد مبدأ الشفافية بشكل عام وعلى كافة المستويات، إعادة بناء مؤسسات الدولة على مبدأ الشفافية. وهناك خطوات جيدة على مستوى مشروعات البنية التحتية والمشروعات القومية العملاقة، لا أحد يجادل فى الطفرة التى تحققت وتتحقق فى مصر على مستوى البنية التحتية، ولكن هذه المشروعات لم تُبنَ على أساس من دراسات الجدوى ولم تتبع الطرق العلمية فى تقييم المشروعات قبل البدء فيها، لم تدرس جدواها بشكل علمى، ولا جرت دراسات علمية من حيث التكلفة والعائد، ولذلك نشهد عدم تحقق المردود أو العائد الاقتصادى المتوقع من ناحية والتعثر فى بعض المشروعات من ناحية ثانية. وفى الوقت الذى تتحقق فيه بعض الإنجازات ويُحرز بعض التقدم فى عدد من المجالات على المستوى المادى، يحدث التراجع والتقهقر فى مجالات أخرى بمعدلات تفوق ما كان قائماً فى أواخر عهد مبارك، فهناك تضييق شديد على الأصوات الوطنية المستقلة التى كانت جزءاً من «٣٠ يونيو» وجرى استبعادها لأن لديها رأياً ورؤية ولم تعتد ترديد التعليمات التى تصدرها الأجهزة الأمنية، هناك تضييق على السياسيين الوطنيين المستقلين، ضيق بكل من يحمل رؤية وطنية مستقلة، مخطط تشويه متعمد لكل من لا يلبى رغبات الأجهزة الأمنية، ضرب للأحزاب السياسية الوليدة، وتدجين لها، شق صفوفها، وضرب قياداتها بعضها ببعض، أما فى مجال الإعلام فحدث ولا حرج، رغبة عارمة فى تغليب إعلام الصوت الواحد والرأى الواحد، السعى للهيمنة الكاملة على الإعلام المصرى شريك ثورة ٣٠ يونيو، تضييق شديد على كل صوت مستقل لديه رؤية ويعبر عن رأى. قلنا إن تجارب شعوب الدنيا علمتنا أن لا ديمقراطية ولا حرية، لا مواطنة ولا حقوق إنسان، دون فصل الدين عن السياسة، واليوم بقى الحال على ما هو عليه، بنية دولة دينية كاملة، دور دينى للدولة، توظيف الدين فى خدمة السياسة ومتاجرة بالدين، عدم بذل أى جهد فى نزع تديين مؤسسات الدولة وكبار الموظفين، فالتديين والتشدد يغلف مؤسسات مهمة كالقضاء والداخلية وبيروقراطية الدولة، ومن ثم ليس غريباً أن نشهد أحكاماً هى فى جوهرها جرائم بحق قطاع من المواطنين المصريين، جرائم عبر تنحية القانون جانباً وتطبيق أعراف بدو الصحراء عندما تقتضى نصرة الأخ ذلك، واستخدام القانون بقسوة عندما يراد ذلك، مثل الأحكام الجائرة بحق أطفال بنى مزار، مُدرسة الصعيد، وغيرها من القضايا، وتواطؤ الأجهزة الأمنية لتمكين مجرمين من الإفلات من العقاب كما هوالحال فى قضية سيدة الكرم وقصة مجدى مكين.
تجمّعت كل هذه العوامل فأفرزت الحالة التى نعيشها اليوم، حالة الخوف من «بكرة»، وهى حالة مبررة جداً، وأتصور أن المخرج الوحيد مما نحن فيه يتمثل فى مبادرة عاجلة لإعادة اللحمة لتحالف ٣٠ يونيو، التوقف فوراً عن سياسات الهيمنة الأمنية على البرلمان، وقف سياسة تأميم الإعلام وتسييد الصوت الواحد والرأى الواحد، رفع يد الأمن عن الأحزاب السياسية والتوقف عن مخطط تفتيت الأحزاب المدنية.
فى تقديرى أن قرارات عاجلة فى المجالات السابقة ستوقف حالة التدهور التى نمر بها، ثم بعد ذلك تبدأ مرحلة البناء الوطنى المشترك. الشعوب لها الإنجاز، قد تصبر، تعطى فرصة وأكثر، لكن عدم الإنجاز يدفعها إلى التغيير، ولكم فى تجربة وحالة الجنرال شارل ديجول فى فرنسا دروس وعبر.

No comments:

Post a Comment