Translate

Friday, February 3, 2017

د. عماد جاد - عن «٢٥ يناير» ومزاياها (٤) - جريدة الوطن - 4/2/2017

لا يوجد تغيير دون ثمن. هذه قاعدة عامة مجردة تحكم حياة الشعوب والمجتمعات والدول، جميع من حقق درجة من درجات التقدم والتطور دفع ثمن ذلك غالياً، الثمن المدفوع قد يكون دماء وحياة خيرة رجال وشباب الوطن، وقد يأخذ شكل الحروب الأهلية والتطاحن المجتمعى، وقد يكون فى صورة فقدان الأمن والأمان لفترات طويلة، وقد يأخذ شكل ارتفاعات ضخمة فى الأسعار، تضخُّم رهيب وشح فى السلع والخدمات بل والمواد الغذائية، كما أن الثورة أو التحركات الثورية أو الانقلابات قد لا تنجح، ومن ثم تأتى بنتائج عكسية تماماً. دعونا نتفق من البداية أن الأمم الحية والمجتمعات الحيوية هى التى تشهد الثورات والتغييرات الكبرى، بل وتقود عمليات التغيير فى الإقليم الذى توجد فيه، نتحدث عن الثورة الفرنسية التى وقعت عام ١٧٨٩، ونتحدث عن الثورة البلشفية التى وقعت عام ١٩١٧ وغيّرت من تاريخ العالم ومنطقة شرق ووسط أوروبا، نتحدث عن حركة الجيش المصرى عام ١٩٥٢ التى حوّلها الشعب إلى ثورة وقادت التغيير الشامل فى المنطقة، الثورة الإيرانية بقيادة الخومينى عام ١٩٧٩. وإذا نظرنا إلى هذه البلدان فسوف نجدها ذات تاريخ عريق وحضارة إنسانية مسجلة فى التاريخ، كما أن هذه المجتمعات تتسم بالحيوية والديناميكية، وعادة ما يأتى التغيير من خلالها وعلى أيدى أبنائها، وهذه المجتمعات هى أول من يدفع ثمن التغيير من نتائج تتسم بالخطورة فى جميع الأحوال. أما المجتمعات التى لا تملك عمقاً تاريخياً ولا حضارة عريقة فعادة ما تتسم بالركود، وإذا شهدت محاولات للتغيير فعادة ما تكون على شكل انقلابات القصور التى تغير فى رأس السلطة ولا تغير فى طبيعة العلاقات والتفاعلات داخل هذه المجتمعات.
عموماً ما نود التأكيد عليه هنا هو أن من يريد التغيير للأفضل عليه أن يكون مستعداً لدفع ثمن هذا التغيير، وهو ثمن غير محدد ويأخذ وقتاً يطول أو يقصر بفعل مجموعة من العوامل الخاصة بكل مجتمع من المجتمعات. ووفق هذا التصور أعتقد أن ثورة ٢٥ يناير قد كسرت حاجز الخوف لدى المصريين، وعندما أرادت جماعة الإخوان الهيمنة على السلطة ومقدرات البلاد ومواصلة سياسات الحزب الوطنى بل ومحاولة تغيير الهوية المصرية ثار عليها الشعب المصرى وخرج بأعداد غير مسبوقة فى التاريخ، نحو ٣٠ مليون إنسان، يطالبون برحيل حكم المرشد والجماعة، وتُعد «٣٠ يونيو» فى تقديرى ثورة المصريين الحقيقية، ففيها شارك الشعب المصرى وطالب بالتغيير وقدم كل أنواع الدعم والتفويض لقواته المسلحة كى تقضى على العنف والإرهاب المتوقع من قبَل جماعة الإخوان ورفاقها من الجماعات الإرهابية. وبدأ التغيير، البعض يقول إننا لم نرَ ثمار التغيير بعد، والرد هنا هو أن التغيير بدأ بالفعل، وأول ثماره القضاء على العنف والإرهاب واستعادة الاستقرار، ومصارحة الشعب بحقائق الوضع الاقتصادى، ومن ثم اتخاذ قرارات لم تجرؤ قيادات سابقة على اتخاذها، مثل الرفع التدريجى للدعم العينى، وتحرير العملة بالكامل، والبدء فى مشروعات قومية عملاقة سوف تنقل البلاد نقلة حضارية بالفعل. العامل الذى علينا كمصريين ملاحظته هو أن عمليات التغيير والتطوير لها ثمن مرتفع ندفعه جميعاً الآن، ودور الدولة والمجتمع، لا سيما الشرائح العليا من الطبقة الوسطى والطبقة العليا، مطلوب منها تحمُّل قدر أكبر من ثمن التغيير لأنها تقدر على ذلك، وحتى يمكن مساعدة الفئات الضعيفة فى المجتمع (وهى بالمناسبة تصل إلى ٤٠٪) على تحمُّل وطأة سياسات التغيير والإصلاح.

No comments:

Post a Comment