Translate

Sunday, February 19, 2017

د. عماد جاد - «ناتو» عربى - جريدة الوطن - 19/2/2016

فجأة ووسط العواصف والأنواء التى تضرب العالم العربى والانقسامات التى تفصل بين الدول العربية، طرحت فكرة تأسيس حلف عسكرى عربى، البعض سماه «ناتو» عربى نسبة إلى حلف شمالى الأطلنطى الذى أسسته الدول الغربية عام ١٩٤٩ دفاعاً عن دول غرب أوروبا ضد احتمالات التمدد الشيوعى. ويأتى هذا الحديث بعد نحو عامين على مناقشة الدول العربية فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة للتدخل السريع فى مواجهة مصادر الخطر التى تهدد الأمن القومى العربى، وبدا واضحاً أن تصاعد الأحداث فى اليمن دفعت السعودية وعدداً من دول مجلس التعاون الخليجى ومعها المغرب والأردن إلى التفكير الجدى فى تشكيل هذه القوة هذا بينما هناك العديد من القضايا التى تبرر تشكيل هذه القوة من بينها الأوضاع فى ليبيا. عادة ما تمتلك القوى الكبرى والإقليمية الرئيسية قوات للتدخل السريع، مهمتها الأساسية مواجهة حالة طارئة مفاجئة، استمرارها يسبب مساساً بالأمن القومى للبلد بمفهومه الشامل، ومن ثم فمصدر الخطر أو التهديد هنا قد يكون داخلياً أو خارجياً، أى أن مهمة هذه القوات قد تقتضى العمل فى داخل البلاد أو خارجها. وبهذا المعنى فهى تختلف عن إرسال القوات خارج الحدود التى قلنا إنها سمة من سمات القوى الكبرى فقط، ولا قبل للدول الصغيرة والإقليمية بها إلا إذا كان العمل بالتنسيق والتفاهم مع قوة كبرى أو نيابة عنها، فإرسال القوات خارج الحدود عادة ما يكون بهدف تحقيق أهداف كبرى كالغزو، الاحتلال، السيطرة على موارد حيوية، تغيير نظام الحكم، تمكين فئة ما من السيطرة على الأوضاع، أو تمكين نظام الحكم القائم من فرض السيطرة والبقاء فى السلطة «من قبيل ذلك التدخل السوفييتى فى المجر (١٩٥٦) وتشيكوسلوفاكيا (١٩٦٨) أفغانستان (١٩٧٩) الغزو الأمريكى لأفغانستان (٢٠٠١) والعراق (٢٠٠٣). أما قوات التدخل السريع فمهامها محدودة ومحددة ولا ترقى إلى الأمثلة السابقة، فقد تتمثل فى إنقاذ رهائن أو توجيه ضربات استباقية لمجموعات مسلحة تعد لشن هجوم أو عمل معادٍ ضد الدولة، وهو عمل مشروع يدخل فى إطار حق الدفاع عن النفس. وقد شهدنا فى العرض الذى أقامته القوات المسلحة فى ذكرى انتصارات السادس من أكتوبر، نموذجاً لهذه القوات التى تشكلت مؤخراً وقدمها الرئيس عبدالفتاح السيسى على أنها من أحدث الوحدات التى يمكنها القيام بمهام فى الداخل والخارج. وفى تقديرى أن مهام هذه القوات فى الداخل تتمثل فى التدخل السريع فى مواجهة أية أحداث طارئة تنجم عن عمليات إجرامية لجماعات إرهابية، أو مهام فى مواجهة كوارث طبيعية وبشرية. أما فى الخارج فالمتصور أن هذه القوات تكون على أهبة الاستعداد للتدخل العاجل خارج الحدود لاستباق عمل إرهابى يجرى الإعداد له ضد البلاد وأمنها القومى. وإذا نظرنا إلى المحيط الإقليمى فسوف نجد عشرات من مصادر التهديد لأمننا القومى، ففى الجوار الغربى، ليبيا توجد دولة منقسمة على ذاتها، تنتشر فيها جماعات مسلحة من بينها تكفيرية متطرفة، تحمل فكراً متشدداً من سيد قطب إلى فكر تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة، هذه الجماعات تحتضن مجموعات مصرية متطرفة، بعضها أرسلته الجماعة للتدرب هناك تحت مسمى «جيش مصر الحر» على غرار الجيش السورى الحر الذى يقاتل نظام بشار الأسد، وبعضها الآخر هرب من البلاد بعد ثورة الثلاثين من يونيو فى محاولة للتجمع هناك، وشن العمليات الإرهابية ضد مصر، على غرار ما وقع فى الفرافرة ضد قوات من حرس الحدود، ومن ثم فأمن مصر القومى يقتضى امتلاك قوات تدخل سريع يكون بمقدورها التحرك بسرعة والعمل ضد هذه الجماعات قبل شن هجماتها، وإلى الشمال الشرقى، حيث قطاع غزة تنتشر الجماعات المتشددة بدءاً من حركة حماس نفسها التى هى فرع للجماعة وسبق ووقعت هجمات إرهابية بحق جنود فى رفح على أيدى جماعات تسللت من القطاع، كما قامت هذه الجماعات باستعراض قوة على حدودنا بعد سقوط حكم مرشد والجماعة، ولا تخفى هذه الجماعات عداءها لمصر وشعبها. ومن ثم فإن وجود قوات مصرية للتدخل السريع يغدو أمراً غاية فى الأهمية للتعامل مع أية مواقف طارئة مقبلة من شمالنا الشرقى. ومع تصاعد الأحداث فى اليمن تحركت دول عربية، على رأسها المملكة العربية السعودية، وبدأت تقبل بفكرة تشكيل قوات عربية مشتركة للعمل فى مواجهة مصادر التهديد المختلفة.
السؤال هنا: هل لدى الدول العربية الأسس اللازمة لتشكيل حلف عسكرى أم مجرد تعاون انتقائى بين عدد من الدول العربية؟

No comments:

Post a Comment