Translate

Monday, February 6, 2017

د. عماد جاد - تطرف شباب مصرى - جريدة الوطن - 5/2/2017

فى أعقاب اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ فى الولايات المتحدة، اندلع جدل حاد حول أكثر الشعوب العربية والإسلامية تطرفاً، وفى الوقت الذى ذهب فيه اتجاه قوى لاعتبار الشعب السعودى هو من يستحق هذه المكانة، لاعتبارات تتعلق بطبيعة الدولة السعودية ومناهج التعليم ووسائل الإعلام، والطبيعة المحافظة للمجتمع بصفة عامة والأحادية الفكرية والدينية والمذهبية، ومعاداة ما دون أهل السنة، وأن الوفرة المالية المتولدة عن الحقبة النفطية مكنت السعوديين من مراكمة أموال استخدموها لاحقاً فى تمويل الجماعات المتشددة فى شتى أنحاء العالم. من ناحية أخرى بذلت السفارة السعودية فى واشنطن وكان على رأسها فى ذلك الوقت الأمير بندر بن سلطان، ونائبه أحمد القطان -السفير السعودى الحالى فى القاهرة- بذلت جهوداً هائلة واستخدم الأمير بندر اتصالاته القوية مع دوائر الحكم الأمريكية وعلاقاته الشخصية مع الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت، جورج بوش الابن، من أجل ترحيل المسئولية الرئيسية عن اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر إلى المصريين من خلال التأكيد أن بن لادن لا يعدو أن يكون الممول للتنظيم، أما العقل المدبر الذى يدير التنظيم فهو المصرى أيمن الظواهرى، وأن العقل المدبر لاعتداءات الحادى عشر من سبتمبر هو المصرى محمد عطا، صحيح أن غالبية المهاجمين من المملكة العربية السعودية، ومن الصحيح أيضاً أنهم كانوا أعضاء تحت قائد الخلية المصرى محمد عطا. كانت الرسالة التى تحاول المملكة العربية السعودية تمريرها للأمريكان فى ذلك الوقت هى أن المصريين هم أصل التشدد والتطرف، وهم قادة الجماعات المتطرفة والمتشددة، ومن ثم هم من غرَّر بشباب سعودى وخليجى كى يشارك معهم فى العمليات الإرهابية ضد المصالح والمجتمعات الغربية.
ما حاولت السعودية تمريره يعتمد على حقائق فى علاقات البلدين ومع الولايات المتحدة، ففى أعقاب الغزو السوفيتى لأفغانستان عام ١٩٧٩، سارعت الولايات المتحدة بتوظيف الإسلام فى مواجهة السوفيت حيث تعاونت مع مخابرات مصر والسعودية وباكستان فى تشكيل جماعات المجاهدين من الشباب المتحمس للدفاع عن مجتمع مسلم -هو المجتمع الأفغانى- يتعرض لغزو من قوات ملحدة كافرة -القوات السوفيتية- وعبر هذا التعاون الرباعى جرى تشكيل جماعة المجاهدين التى تولى الترتيب لها الشيخ عمر عبدالرحمن، وفى تلك الفترة كان «السادات» قد أتم تديين المجال العام فى مصر ووظف الدين لخدمة مصالحه السياسية على الصعيدين الداخلى والخارجى، نعت نفسه بالرئيس المؤمن ومصر بدولة العلم والايمان، عدَّل المادة الثانية فى الدستور ليضيف الألف واللام إلى الشريعة الإسلامية فتصبح «المصدر الرئيسى للتشريع» بعد أن كانت «مصدر للتشريع»، أعد العدة لتطبيق الشريعة والحدود بما فيها حد الردة، بنى جسوراً قوية مع جماعة الإخوان والجماعات الإسلامية المسلحة محاولاً توظيفها لمصالحه السياسية، وجه الإعلام ومنح الجماعة السيطرة على العملية التعليمية من أجل إتمام عملية أسلمة المجال العام فى البلاد، وجاء «مبارك» فواصل المهمة وتولت أجهزته الأمنية التنسيق مع السلفيين من أجل موازنة نفوذ الجماعة المتزايد.
أسفر مجمل هذه التطورات عن حالة من التشدد والتعصب فى المجتمع المصرى، مصحوبة بحالة من التدين الشكلى والتطرف الفكرى ومن ثم بات المصريون، بفعل المد الوهابى وألاعيب توظيف الدين لخدمة السياسة، فى طليعة الشعوب المتشددة، ومن ثم وجدنا تعاطف الملايين مع جماعة الإخوان والسلفيين، ومنح ثلاثة أرباع المصريين أصواتهم للإخوان والسلفيين فى انتخابات ٢٠١١، وأعطوا الأغلبية لمرشح الجماعة محمد مرسى، واليوم ينتشر الشباب المصرى فى شتى بقاع العالم الساخنة وتجدهم يحملون السلاح ويرتكبون الجرائم دفاعاً عن قضايا قدمت لهم على أرضية دينية، تجدهم فى سوريا، العراق، ليبيا، بل تجدهم يرتكبون جرائم غير مبررة مثل من حاول قتل جنود فرنسيين أمام متحف اللوفر بساطور، نعم ضرب فيروس التشدد والتطرف قطاعاً كبيراً من المصريين ومن ثم غدا منطقياً أن يولد جيل جديد يحمل هذه الأفكار المتطرفة ويكون مستعداً للقتل والتفجير، وهو ما حدث ويحدث وسوف يحدث فى مصر وخارجها، الأمر الذى يمكن أن يغير من إدراك العالم لمصر والمصريين من أبناء شعب عريق عاشق للحياة إلى جزء من منظومة حب الموت.

No comments:

Post a Comment