Translate

Friday, February 24, 2017

د. عماد جاد - ويبقى الخلط بين الدين والسياسة (٢) - جريدة الوطن - 24/2/2016

أشرنا إلى أن المجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة، بقيادة المشير طنطاوى، قد ارتكب جريمة بحق البلاد عندما وضع يده بيد جماعة الإخوان والتيار السلفى وسلَّمهم مهمة تعديل دستور ١٩٧١، وكانت النتيجة شرعنة تأسيس الأحزاب على أساس دينى، وتواطأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع تيار الإسلام السياسى مرة ثانية من خلال ترك أحزاب التيار تقوم بتديين المجال العام فى البلاد، وتستخدم المساجد فى الحشد للانتخابات، وترتكب عشرات المخالفات خلال العملية الانتخابية، واكتملت حلقات الجريمة بتواطؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرة ثالثة مع تيار الإسلام السياسى عندما سمح بترشح محمد مرسى الذى كان هارباً من السجن، ولم يحقق المجلس فى المخالفات التى ارتكبت فى جولة الإعادة، سواء بالتحقيق فى بطاقات «المطابع الأميرية» أو منع قرى قبطية بالكامل فى صعيد مصر من التصويت بقوة السلاح.
هيمن تيار الإسلام السياسى على مجلسى الشعب والشورى، وحصد مقعد رئيس الجمهورية، وبدأ فى تنفيذ مخططه للهيمنة على المنطقة بالكامل. ثار الشعب المصرى دفاعاً عن هويته الوطنية، وخرج فى ثورة عارمة، وتمكن بمساندة القوات المسلحة من استرداد ثورته وبدء مرحلة انتقالية جديدة على نحو منظم ومنضبط، تشكلت جمعية تأسيسية جديدة لتعديل دستور البلاد، أو لكتابة دستور جديد، ضمت الجمعية الجديدة كافة ألوان الطيف فى المجتمع المصرى، بما فيها التيار السلفى، وانتهى الأمر بالعودة إلى الوضع الذى كان قائماً قبل تعديلات مارس ٢٠١١، بخصوص إنشاء الأحزاب السياسية، حيث تم شطب الفقرة التى تسمح بقيام الأحزاب على أساس دينى، وتم إقرار الدستور الجديد للبلاد. وبقى الوضع على ما هو عليه من الناحية الواقعية، دستور يمنع تأسيس الأحزاب على أساس دينى، وأحزاب دينية موجودة فى الواقع المصرى، هذا الوضع ينطوى على مخالفة صريحة للدستور، والأحزاب الدينية القائمة تتحايل على النص الدستورى تارة عبر الحديث عن أنها ليست بأحزاب دينية، وتارة أخرى عبر سياسة المواءمة التى تتبعها هذه الأحزاب، وعلى رأسها حزب النور، الذى حرص على أن يكون موجوداً فى مشهد الثالث من يوليو، ويمثل جزءاً من خارطة المستقبل، يشارك فى الجمعية التأسيسية لكتابة دستور البلاد الجديد، ويقبل بتمرير مادة تمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، تجتمع هيئته العليا وتقرر تأييد المشير عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية.
بإقرار دستور البلاد الجديد، ودخوله حيز التنفيذ بمادة تمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، كان ضرورياً تسوية أوضاع الأحزاب الدينية، لأن وجودها كما هى بات مخالفاً للدستور واستمرارها كما هى بات يمثل انتهاكاً شديداً للدستور. تطبيق الدستور كان يعنى ضرورة حل هذه الأحزاب، وهو أمر لم يكن واقعياً فقد كانت هناك حاجة لحزب النور تحديداً حتى لا يصطف تيار الإسلام السياسى كله فى مواجهة ثورة الثلاثين من يونيو، وكانت هناك حاجة موضوعية لحزب النور تمنع حله فور اعتماد الدستور، وهو أمر يمكن تفهمه فى عالم السياسة والمواءمات، ولكن ما لا يمكن قبوله على أى مستوى من المستويات هو استمرار حزب النور كما هو وغيره من الأحزاب التى نشأت على أساس دينى، لأن فى الاستمرار انتهاكاً صارخاً للدستور.
وجاء الحكم الأخير برفض حل حزب النور وغيره من الأحزاب الدينية القائمة المتورطة فى جرائم إرهابية، ليقول لنا يبقى الحال على ما هو عليه، أى أن النظام القائم يرغب فى مواصلة خلط الدين بالسياسة، ومن ثم لم يتعلم أحد من تجربة السادات ومبارك، البعض يتصور نفسه أكثر قدرة ومهارة وذكاء ممن سبقوه، وهو أمر غير صحيح، فمن يضع يده بيد تيارات الإسلام السياسى يحترق بالنار وربما لن يجد يده.
والحل فى تقديرى أنه من أجل إرساء أساس حياة سياسية وحزبية نزيهة تقوم على فصل الدين عن السياسة حفاظاً على قدسية الدين ومكانته، وحماية للسياسة من تلاعب من يوظفون الدين فى السياسة، لا بد من تحرك عاجل وسريع لتطبيق مواد الدستور وحل جميع الأحزاب الدينية القائمة من أجل بدء تجربة ديمقراطية حقيقية، فتجارب الشعوب فى كافة أنحاء العالم تقول إنه لا ديمقراطية فى ظل خلط الدين بالسياسة، وإن أوروبا دفعت ثمناً باهظاً بسبب هذه العلاقة بين الدين والسياسة، ولم تعرف طريق التطور والديمقراطية إلا عندما قامت بالفصل بين الدين والسياسة.

No comments:

Post a Comment